الأبعاد النفسية في رواية "غبار1918م" لفاتن المر- دراسة سيكولوجية

تعد السلوكيات السلبية والظواهر الاجتماعية التي تؤسس للعنف، ظواهرا في الواقع مفروضة قسرا على المجتمع الشامي، وهي تخالف الاخلاق والاسس النمطية المشَكَلة تاريخيا، إذ تثير هذه الرواية مسألة خطيرة وحساسة من خلال اهتمامها بالجانب الإنساني وإخفاقاته، وحيثُ أكدتْ الرواية أنها عمل فني سلط الضوء على مشاكل اجتماعية متأصلة قد يكون خلفها الاستعمار والسلطة المستبدة، إذ لا يمكن أن نتصور الاديب يكتبُ منعزلاً عن مجتمعه، فمنذ النشأة الأولى للأدب الروائي والاديب ملتزم بقضايا وهموم المجتمع فهو يعيش في حركة وصراع بين الواقع وبين ما يفرضه الفن والجمال والابداع، فهذه العلاقة بين الاديب والمجتمع ما هي إلاّ علاقة تبادلية فكلاهما يؤثر في الاخر. فالأدب هو محصلة نهائية تجتمع تحت مظلته عوامل مجتمعية ونفسية وتاريخية أو ثقافية وحتى سياسية، فكل أدب هو صورة وتجربة واقعية تمرّ عبر سياقات الخيال ويعكس مظهرا من مظاهر الحياة الاجتماعية بما يمتلك من قدرة على ربط الحاضر بالماضي وترسيخ قيم المحبة والخير. أنّ هذا العالم الذي ابتكرته الكاتبة، إنّما هو واقع وصورة تتكرر لأشخاص قد اختاروا الشرّ بصورة طوعية كوسيلة لإضفاء المقبولية على أفعالهم، ولعلّ وضع التفسيرات لمثل هذه المجازر تجعل منها قضايا اجتماعية واخلاقية اكثر منها سياسية، بل العكس ان وضع التفسيرات والتحليلات النفسية ولأسباب وراء هذا الانكسار في الشعوب المقهورة أمام الشر الذي لا يزال يُهدد كيانها ووجودها. إنّ الخوف وما ينتج منه، من الموضوعات التي أثــارتْ الجــدل في الوقـــت الراهن والذي يدفعنا الى معالجة هذا المصطلح في رواية غبار التي كشفتْ وجه الشر في وجوه مختلفة ولأسباب مختلفة أيضا، من المستعمر العثماني والفرنسي الى بواعثه الكامنة في نفوس الشعب الواحد ضدّ الأقليات الدينية والقومية كمكون الأرمن الذين تحدثت عنهم الرواية في اكثر فصولها.